الخطة الخمسية للاحتلال تتراجع في مجال الصحة وتتقدم في ملف التعليم.. فما الأسباب؟
القدس المحتلة - القسطل: لم يستثنَ القطاع الصحي في مدينة القدس على غرار القطاعات الآخرى من ممارسات الاحتلال الرامية إلى إضعاف الوجود الفلسطيني في المدينة من خلال الضغط بحقوقهم الأساسية كحق الوصول إلى الخدمات الطبية، وعلى الرغم من أن المقدسيين يدفعون لحكومة الاحتلال الإسرائيلي بشكل إلزامي للتأمين الصحي بموجب قانون فرض نظام التأمين الصحي عام 1995 لإثبات وجودهم ومنع سحب الإقامة منهم وطردهم إلا أن الاحتلال يمتنع عن تقديم الخدمات الصحية والعلاجية للمقدسيين، وينتهج سياسة خصخصة القطاع الصحي وخدماته ليتهرب من مسؤوليته الملزمة تجاه المقدسيين كونهم يقبعون تحت الاحتلال.
وفي الوقت الذي تمضي فيه حكومة الاحتلال بتطبيق بعض ما جاء في الخطة الخمسية، خاصة فيما يتعلق بالتعليم، بهدف أسرلة المنهاج وإحكام السيطرة المعرفية، كُشف النقاب مؤخرا عن تراجع وزارة الصحة الإسرائيلية عن الشق المتعلق بتطوير الخدمات الطبية في شرق القدس من الخطة الخمسية لعام 2018.
ويتضح أن أحد الأمور التي تراجعت عنها صحة الاحتلال هو إلغاء نظام الامتياز فيما يتعلق بصناديق العلاج الأساسية وهي "كلاكيت ومكابي مئوحيدت" حيث بموجب وجود هذه الصناديق تضع حكومة الاحتلال مسؤولية الرعاية الصحية بيد أهالي القدس أنفسهم من خلال طرح مناقصات لفتح عيادات وإدارتها في شرق القدس، وهذا يظهر حجم الفجوة الكبير في الخدمات الصحية مقارنة مع الخدمات الصحية المقدمة في مشافي دولة الاحتلال من مدينة القدس.
تذرعت وزارة الصحة الإسرائيلية بعدة ذرائع لتبرير هذا التراجع كان أبرزها أن الوضع معقد في شرق القدس ولا يمكن تغيير النظام الطبي القائم حالياً، بالإضافة إلى أنها لا تعترف بشهادة الأطباء العاملين في شرق القدس بسبب تلقيهم التعليم في دول وجامعات عربية.
في هذا السياق يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري إن قرار إلغاء نظام الامتياز فيما يتعلق بصناديق المرضى بالقدس ليس مفاجئاً تحت ادعاء أن الأمور معقدة، والسؤال: ماذا يعني أن الأمور معقدة؟ وإذا كان هناك أي تعقيد فإن سببه الاحتلال الإسرائيلي وكل مؤسساته الرسمية بشكل أساسي ومباشر، حيث تخضع القدس منذ حوالي 55 عام للحكم الإسرائيلي ولا يملك المقدسي أي استقلالية، وبالتالي هم سبب التعقيد وبشكل مقصود.
ويتابع الحموري في حديث لـ "القسطل": الخطة الخمسية موضوعة بشكل أساسي للسيطرة على مدينة القدس بشكل كامل، جزء كبير من هذه الخطة متعلق بالتعليم وبشكل أصح تهويد التعليم وكذلك لها علاقة بالسير والمواصلات من خلال ربط المدينة بالمستوطنات، وقضايا أخرى لها علاقة بتحسين الوضع الاجتماعي بتحسين الوضع الاجتماعي للمستوطنين الذين يعيشون في مستوطنات يمر جزء منها بالقدس الشرقية، أما ما يتعلق بالصحة فالكل يعلم أن حكومة الاحتلال لا تعطى للصلحة أولوية وكثير من المحاولات الاسرائيلية تحدث للتحايل والتنصل من علاج المقدسيين، وتهرب من الدفع فيما يتعلق بالأمور الصحية للمقدسيين، بالتالي ما حدث كان تحصيل حاصل للسياسات الإسرائيلية المستمرة في القدس".
وبالعودة إلى الوراء قليلاً نجد أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قامت بإغلاق مستشفى الأطفال، ومديرية الصحة والمختبر المركزي، وبنك الدم ومركز مكافحة التدرن؛ كما أغلقت مستشفى الهوسبيس الذي كان يقدم خدمات صحية لنحو 150 ألف مواطن، وأغلقت في عام 1985 حولت المستشفى الحكومي الأردني في حي الشيخ جراح وحولته إلى مقر للشرطة، ومن بعدها بدأت الفوضى في القطاع الصحي من خلال الخصخصة.
وفي الشق الآخر نجد أن المستشفيات الفلسطينية في مدينة القدس وهي ست مستشفيات تخصصية مستشفى أوغستا فكتوريا- المطلع، مستشفى المقاصد، مستشفى العيون- سانت جون، مستشفى مار يوسف، مستشفى الهلال الأحمر ومستشفى الأميرة بسمة تقدم خدمات طبية ذات كفاءة وجودة عالية، حيث تستقبل مشافي القدس بشكل سنوي تحويلات طبية من الضفة الغربية وقطاع غزة ما يقارب 20 ألف تحويلة طبية، ومع ذلك يجد المقدسي صعوبة في المتابعة مع متخصصين وإجراء الفحوصات اللازمة إلى جانب صعوبة الحصول على الدواء لأسعارها الباهظة وغالبا ما ترفض المشافي الإسرائيلية تقديم الخدمة للمواطنين المقدسيين.
وعلى الرغم من تقديم العديد من الشكاوى للمؤسسات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان حول تردي الخدمة الطبية في القدس، إلا أن الواقع يزداد سوءاً. ويقرّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948 بالحق في الصحة والرفاهة بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية والتمتع بظروف معيشية صحية وحق الأفراد في اتخاذ القرارات الخاصة برعايتهم الصحية. غير أن هنالك حواجز سياسية ظلت لعقودٍ تعوقُ النظام الصحي الفلسطيني، وتحول دون إعمال تلك الحقوق والضمانات.
ويحتم القانون الدولي على قوة الاحتلال تلبية الاحتياجات الصحية للأفراد، باعتبار أن الحق في الصحة من حقوق الإنسان الأساسية، ويحق لكل إنسان أن يتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه ويفضي إلى العيش بكرامة، وهو ما يتطلب تهيئة الظروف المناسبة التي تتيح لكل فرد إمكانية التمتع بأكبر مستوى ممكن من الصحة.
. . .